فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{أَلَمْ نَخْلُقكُّم} أي ألم نُقدرْكُم {مّن مَّاء مَّهِينٍ} أي من نُطفةٍ قذرةٍ مهينةٍ {فجعلناه في قرار مَّكِينٍ} هو الرحمُ {إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ} إلى مقدارٍ معلومٍ من الوقتِ قدَّرهُ الله تعالى للولادةِ تسعةَ أشهرٍ، أو أقلَّ منها أو أكثرَ {فَقَدَرْنَا} أي فقدرناهُ وقد قرئ مُشدداً أو فقدرنا على ذلكَ على أنَّ المرادَ بالقُدرةِ ما يقارنُ وجودَ المقدورِ الفعلِ {فَنِعْمَ القادرون} أي نحنُ.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} بقدرتِنا على دلكَ أو على الإعادةِ {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً} الكِفاتُ اسمُ مَا يكْفِتُ أيْ يضمُّ ويجمعُ من كفتَ الشيءَ إذا ضمَّه وجمعَهُ كالضِّمامِ والجِماعِ لما يضمُّ ويجمعُ أي ألم نجعلْها كِفاتاً تكفتُ {أَحْيَاء} كثيرةً على ظهرها {وأمواتا} غيرَ محصورةٍ في بطنِها وقيلَ هُو مصدرٌ نُعِتَ به للمبالغةِ، وقيلَ جمعُ كافتٍ كصائمٍ وصيامٍ، أو كِفت وهو الوعاءُ أجرى على الأرض باعتبار بقاعها، وقيل: تنكيرُ أحياءً وأمواتاً لأنَّ أحياءَ الإنسِ وأمواتَهم بعضُ الأحياءِ والأمواتِ، وقيلَ: انتصابهما على الحاليةِ من محذوفٍ أي كفاتاً تكفتكُم أحياءٌ وأمواتاً {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ} أي ثوابتَ {شامخات} طوالاً شواهقَ، ووصفُ جمعِ المذكِر بجمعِ المؤنثِ في غيرِ العقلاءِ مُطَّردٌ كداجنٍ ودواجنٍ وأشهرٌ معلوماتٌ وتنكيرُها للتفخيمِ أو للإشعارِ بأنَّ فيها ما لم يُعرفْ {وأسقيناكم مَّاء فُرَاتاً} بأنْ خلقنَا فيها أنهاراً ومنابعَ.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} بأمثالِ هذه النعمِ العظيمةِ {انطلقوا} أي يقال لهم يومئذٍ للتوبيخِ وللتقريعِ انطلقُوا {إلى مَا كُنتُمْ به تُكَذّبُونَ} في الدُّنيا من العذابِ {انطلقوا} خُصوصاً {إلى ظِلّ} أي ظِل دُخانِ جهنَّمَ، كقوله تعالى: {وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ} وقرئ انطَلقُوا على لفظِ الماضِي إخباراً بعدَ الأمرِ عن عملِهم بموجبِ لاضطرارِهم إليه طوعاً أو كرهاً. {ذِى ثلاث شُعَبٍ} يتشعبُ لعِظمه ثلاثَ شُعبٍ كَما هُو شأنُ الدُّخانِ العظيمِ، تراهُ يتفرقُ ذوائبَ وقيلَ: يخرجُ لسانٌ من النار فيحيطُ بالكفارِ كالسُّرادقِ ويتشعبُ من دُخَانِها ثلاثُ شعبٍ فتظلهُم حتى يُفرغَ من حسابهم والمؤمنونَ في ظلَ العرشِ، قيلَ: خُصوصيةُ الثلاثِ إما لأنَّ حجابَ النفسِ عن أنوارِ القدسِ الحسُّ والخيالُ والوهمُ أو لأنَّ المؤدِّي إلى هذا العذابِ هوا القوةُ الوهميةُ الشيطانيةُ الحَّالةُ في الدماغِ والقوةُ الغضبيةُ السبعيةُ التي عن يمينِ القلبِ والقوةُ الشهويةُ البهيميةُ التي عن يسارِه ولذلكَ قيلَ: تقفُ شعبةٌ فوقَ الكافرِ وشعبةٌ عن يمينِه وشعبةٌ عن يسارِه.
{لاَّ ظَلِيلٍ} تهكمٌ بهم أُو ردٌ أوهمَه لفظُ الظلِّ. {وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللهب} أي غيرُ مغنٍ لهم من حرِّ اللهبِ شيئاً {إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كالقصر} أي كلُّ شررةٍ كالقصرِ من القصورِ في عِظَمِها وقيلَ: هو الغليظُ من الشجر، الواحدةُ قصرةٌ نحو جَمْرٍ وجمرةٍ، وقرئ {كالقَصَرِ} بفتحتينِ وهي أعناقُ الإبلِ أو أعناقُ النخلِ نحو شجرةٍ وشجرٍ، وقرئ {كالقُصُر} بمعنى القصور كرهن ورهُن وقرئ {كالقصر} جمع قصرة {كَأَنَّهُ جمالة} قيلَ: هو جمعُ جملٍ والتاءُ لتأنيثِ الجمعِ يقال جملٌ وجمالٌ وجمالةٌ وقيلَ: اسمُ جمعٍ كالحجارةِ {صُفْرٌ} فإنَّ الشرارَ لما فيهِ من الناريةِ يكونُ أصفرَ وقيلَ: سودٌ لأن سوادَ الإبلِ يضربُ إلى الصفرةِ والأولُ تشبيهٌ في العظمِ، وهذا في اللون والكثرةِ والتتابعِ والاختلاطِ والحركةِ، وقرئ {جمالاتٌ} جمعُ جمالٍ أو جمالةٍ، وقرئ {جَمالاتٌ} جمعُ جَمالةٍ وقد قرئ بها وهي الحبلُ العظيمُ من حبال السفنِ وقلوسِ الجسورِ والتشبيهُ في امتدادِه والتفافهِ.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} إشارةٌ إلى وقتِ دخولِهم النارَ أيْ هذا يومُ لا ينطقونَ فيه بشيءٍ لما أنَّ السؤالَ والجوابَ والحسابَ قدْ انقضتْ قبلَ ذلكَ ويومُ القيامةِ طويلٌ له مواطنُ ومواقيتُ ينطقونَ في وقتٍ دُونَ وقتٍ فعبَّر عن وقت بيومُ أو لا ينطقونَ بشيءٍ ينفعُهم فإن ذلكَ كلاَ نطقٍ وقرئ {بنصبِ} اليومِ أيْ هَذا الذي فُصِّلَ واقعٌ يومَ لا ينطِقون {وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} عطف على يُؤذنُ مُنتظمٌ في سلكِ النفي أيْ لا يكونُ لهم إذنٌ واعتذارٌ متعقبٌ له من غير أن يجعل الاعتذار مسبباً عن الإذن كما لو نصب {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ هذا يَوْمُ الفصل} بين الحقِّ والباطلِ والمحقِّ والمبطلِ {جمعناكم} خطابٌ لأمة محمدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. {والأولين} من الأممِ وهذا تقريرٌ وبيانٌ للفصل.
{فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} فإن جميعَ من كنتُم تقلدونهم وتقتدونَ بهم حاضرونَ وهذا تقريعٌ لهم على كيدِهم للمؤمنينَ في الدُّنيا وإظهارٌ لعجزِهم {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} حيثُ ظهرَ أنْ لا حيلةَ لهم في الخلاصِ من العذابِ.
{إِنَّ المتقين} من الكفرِ والتكذيبِ {فِى ظلال وَعُيُونٍ وفواكه مِمَّا يَشْتَهُونَ} أي مستقرونَ في فنونِ الترفِه وأنواعِ التنعمِ {كُلُواْ واشربوا هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} مقدرٌ بقول هو حالٌ من ضمير {المتقينَ} في الخبر أي مقولاً لهم كلُوا واشربُوا هنيئاً بما كنتُم تعملونَهُ في الدُّنيا من الأعمال الصالحةِ {إِنَّا كَذَلِكَ} الجزاءِ العظيمِ {نَجْزِى المحسنين} أيْ في عقائدِهم وأعمالِهم لا جزاءً أَدْنَى منْهُ {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} حيثُ نالَ أعداؤُهم هذا الثوابَ الجزيلَ وهُم بقُوا في العذاب المخلَّدِ الوبيلِ {كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} مقدرٌ بقول هو حالٌ من المكذبينَ أي الويلُ ثابتٌ لهم مقولاً لهم ذلكَ تذكيراً لهم بحالِهم في الدُّنيا وبما جنَوا على أنفسِهم من إيثارِ المتاعِ الفانِي عن قريبٍ على النعيمِ الخالدِ وعللَ وذلكَ بإجرامِهم دلالةً على أنَّ كلَّ مجرمٍ مآلهُ هَذا، وقيلَ: هو كلامٌ متسأنفٌ خُوطبَ به المكذبونَ في الدُّنيا بعدَ بيان مآلِ جالِهم وقررَ ذلكَ بقوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} لزيادة التوبيخِ والتقريعِ {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا} أي أطيعُوا الله واخشعُوا وتواضعُوا له بقبولِ وحيهِ واتباعِ دينهِ وارفضُوا هذا الاستكبارَ والنخوةَ {لاَ يَرْكَعُونَ} لا يخشعُون ولا يقبلُون ذلكَ ويصرونَ على ما هُم عليهِ من الاستكبارِ، وقيلَ: إذَا أُمروا بالصَّلاةِ أو الركوعِ لا يفعلونَ إذْ رُويَ أنه نزلَ حينَ أُمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثقيفاً بالصَّلاةِ فقالوا لا نَجبى فإنَّها مسبَّةً علينا فقال عليه الصَّلاةُ والسلام: «لا خيرَ في دينٍ ليس فيه ركوعٌ ولا سجودٌ» وقيلَ: هُو يومَ القيامةِ حينَ يُدعونَ إلى السجودِ فَلا يستطيعونَ.
{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} وفيه دلالةٌ على أنَّ الكفارَ مخاطبونَ بالفروع في حقِّ المؤاخذةِ {فَبِأَيّ حديث بَعْدَهُ} أي بعدَ القرآن الناطقِ بأحاديثَ الدارينِ وأخبارِ النشأتينِ على نمطٍ بديعٍ مُعجزٍ مؤسسٍ على حججٍ قاطعةٍ وبراهينَ ساطعةٍ. {يُؤْمِنُونَ} إذَا لم يُؤمنُوا به. وقرئ {تُومنونَ} على الخطابِ. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {والمرسلات عُرْفاً}
قال الكلبي، ومقاتل يعني: الملائكة أرسلوا بالمعروف.
ويقال: كثرتها لها عرف كعرف الفرس.
وقال أهل اللغة: ويحتمل وجهين، أحدهما: أنها متتابعة بعضها في إثر بعض، وهو مشتق من عرف الفرس.
ووجه آخر: أنه يرسل بالعرف، أي: بالمعروف.
وروى سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن أبي عبيدة الساعدي قال: سألت عبد الله بن مسعود، رضي الله عنهما عن قوله: {والمرسلات عُرْفاً} قال: الريح {فالعاصفات عَصْفاً} قال: الريح {والناشرات نَشْراً} قال: الريح {فالفارقات فَرْقاً} قال: حسبك معناه {والمرسلات عُرْفاً} يعني: أرسل الرياح متتابعة كعرف الفرس {فالعاصفات عَصْفاً} يعني: الريح الشديدة التي تدر التراب بالبراري، وسمي ريح عاصف {والناشرات نَشْراً} يعني: الريح التي تنشر السحاب.
ويقال: {والناشرات نَشْراً} يعني: البعث يوم القيامة، ويقال: الملائكة الذين ينشرون من الكتاب.
{فالفارقات فَرْقاً} يعني: القرآن فرق بين الحق والباطل.
ويقال: هو القبر فرق بين الدنيا والآخرة.
ويقال: آيات القرآن، التي فيها بيان عقوبة الكفار.
{فالملقيات ذِكْراً} يعني: فالمنزلات وحياً، وهم الملائكة {عُذْراً أَوْ نُذْراً} يعني: أنزل الوحي عذراً من الله تعالى من الظلم، أو نذراً لخلقه من عذابه.
قرأ حمزة، والكسائي، وأبو عمرو، وعاصم في رواية حفص، بضم العين وجزم الذال، {أو نذراً} بضم النون وجزم الذال.
والباقون بضم الحرفين في كليهما، فمعناهما إنذار، وهو جمع نذر يعني: لإنذار.
ومن قرأ بالجزم فمعناه كذلك، وهو للتخفيف، وإنما نصب {عذراً أو نذراً}، لأنهما مفعولاً لهما فمعناه {فالملقيات ذِكْراً} للإعذار والإنذار.
ثم قال عز وجل: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لواقع} وهو جواب قسم.
أقسم الله تعالى بهذه الأشياء، إن ما توعدون من أمر الساعة والبعث لواقع.
يعني: لكائن ولنازل.
ثم قال عز وجل: {فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ} يعني: الموعد الذي يوعدون، في اليوم الذي فيه طمست النجوم، يعني: ذهب ضوءها {وَإِذَا السماء فُرِجَتْ} يعني: انشقت من خوف الرحمن {وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ} يعني: قلعت من أصولها، حتى سويت بالأرض {وَإِذَا الرسل أُقّتَتْ} يعني: جمعت وروى منصور، عن إبراهيم {وَإِذَا الرسل أُقّتَتْ} قال: وعدت.
وقال مجاهد أي: أجلت.
قرأ أبو عمرو {وقتت} بغير همزة، والعرب تقول صلى القوم إحداناً ووحداناً، ومعناهما واحد، يعني: يجعل لها وقتاً واحداً.
وقيل: جمعت لوقتها.
ثم قال: {لايّ يَوْمٍ أُجّلَتْ} على وجه التعظيم، يعني: لأي يوم أجلت الرسل، ليشهدوا على قومهم.
ثم بين فقال: {لِيَوْمِ الفصل} يعني: أجلها ليوم الفصل وهو يوم القضاء، ويقال: يوم الفصل يعني: يوم يفصل بين الحبيب والحبيبة وبين الرجل وأمه وأبيه وأخيه {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل} يعني: ما تدري أي يوم القضاء تعظيماً لذلك اليوم {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} يعني: الشدة من العذاب في ذلك اليوم، للذين أنكروا، وجحدوا بيوم القيامة.
ثم قال عز وجل: {أَلَمْ نُهْلِكِ الاولين} يعني: ألم يهلك الله تعالى من كان قبلهم بتكذيبهم لأنبيائهم {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الاخرين} يعني: نهلك الآخرين يعني: إن كذبوا رسلهم {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} يعني: هكذا يفعل الله بالكفار {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} يعني: الذين كذبوا رسلهم ثم قال: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ} يعني: من نطفة، وهو ماء ضعيف {فجعلناه في قرار مَّكِينٍ} يعني: في رحم الأم.
{إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ} يعني: إلى وقت معروف، وهو وقت الخروج من البطن.
{فَقَدَرْنَا} يعني: فخلقنا {فَنِعْمَ القادرون} يعني: نعم الخالق، وهو أحسن الخالقين.
قرأ نافع، والكسائي {فَقَدَرْنَا} بتشديد الدال المهملة، والباقون بالتخفيف، ومعناهما واحد.
يقال: قدرت كذا وكذا، وقد يعني: خلقه في بطن الأم نطفة، ثم علقة ثم مضغة.
يعني: قدرنا خلقه قصيراً وطويلاً، فنعم القادرون.
يعني: فنعم ما قدر الله تعالى خلقهم، ثم أخبرهم بصنعه ليعتبروا، فيؤمنوا بالبعث، وعرفوا الخلق الأول فقال: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} يعني: الشدة من العذاب لمن رأى الخلق الأول، فأنكر الخلق الثاني.
ويقال: فنعم القادرون، يعني: نعم المقدرون.
ويقال: نعم المالكون.
ثم قال عز وجل: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً} يعني: أوعية للخلق.
ويقال: موضع القرأر، ويقال: بيوتاً ومنزلاً {أَحْيَاء وأمواتا} يعني: ظهرها منازل الأحياء، وبطنها منازل الأموات.
وقال الأخفش: يعني: أوعية للأحياء والأموات.
وقال الشعبي: بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحياءكم.
ويقال: يعني نظمكم فيها، والكفت الضم {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ} يعني: الجبال الثقال: {شامخات} يعني: عاليات طوالاً {وأسقيناكم مَّاء فُرَاتاً} يعني: ماءً عذباً من السماء، ومن الأرض {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} يعني: ويل لمن عاين هذه الأشياء، وأنكر وحدانية الله تعالى والبعث.
ثم قال عز وجل: {انطلقوا إلى مَا كُنتُمْ به تُكَذّبُونَ} يعني: يوم الفصل.
يقال لهؤلاء الذين أنكروا البعث، انطلقوا إلى ما كنتم تكذبون، يعني: انطلقوا إلى العذاب.
ثم قال عز وجل: {انطلقوا إلى ظِلّ ذِى ثلاث شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللهب} وذلك أنه يخرج عنق من النار، فيحيط الكفار مثل السرادق، ثم يخرج من دخان جهنم ظل أسود، فيفرق فيهم ثلاث فرق رؤوسهم، فإذا فرغ من عرضهم قيل لهم {انطلقوا إلى ظِلّ ذِى ثلاث شُعَبٍ لاَّ ظَلِيلٍ} ينفعهم {وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللهب} يعني: السرادق من لهب النار.
وقال القتبي: وذلك أن الشمس تدنو من رؤوسهم، يعني: رؤوس الخلق أجمع، وليس عليهم يومئذ لباس، ولا لهم أكنان.
ينجي الله تعالى برحمته من يشاء إلى ظل من ظله.
ثم قال للمكذبين: انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون من عذاب الله وعقابه، انطلقوا إلى ظل، أي: دخان من نار جهنم قد يسطع.
ثم افترق ثلاث فرق، فيكونون فيه، إلى أن يفرغ من الحساب، كما يكون أوليائه في ظله.
ثم يؤمر لكل فريق إلى مستقره الجنة، أو إلى النار.
ثم وصف الظل فقال: {لاَّ ظَلِيلٍ} يعني: لا يظلكم من حر هذا اليوم، بل يزيدكم من لهب النار، إلى ما هو أشد عليكم من حر الشمس {وَلاَ يُغْنِى مِنَ اللهب} وهذا مثل قوله: {وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ} [الواقعة: 43] وهو الدخان وهو سرادق أهل النار، كما ذكر المفسرون.
ثم قال عز وجل: {إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كالقصر} يعني: النار ترمي بشرر القصر.
قال الكلبي: يعني: يشبه القصر، وهو القصور الأعاريب التي على الماء.
واحدهما عربة، وهي الأرحية التي تكون على الماء، تطحن الحنطة.
وقال مقاتل: القصور أصول الشجر العظام.
وقال مقاتل: إنها ترمي بشرر كالقصر.
أراد القصور من قصور أحياء العرب.
وقرأ بعضهم كالقصر بنصب الصاد شبه بأعناق النخل، ثم شبه في لونه بالجمالات الصفر.
فقال: {كَأَنَّهُ جمالة صُفْرٌ} وهو أسود.
والعرب تسمي السود من الإبل الصفرُ، لأنه يشوبه صفرة، كما قال الأعشى:
تِلْكَ خَيْلِي وَتِلْكَ منها رِكَابِي ** هُنَّ صَفْرٌ أوْلادُهَا كالزَّبِيبِ

يعني: أسود، قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: {جمالة صُفْرٌ} وهي جمع جمل يقال: جمل وجمال وجمالة وقرأ الباقون: {جمالات} وهو جمع الجمع وقال ابن عباس رضي الله عنه جمالات حيال السفينة يجمع بعضها إلى بعض حتى يكون مثل أوساط الرجال {الفصل وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} يعني: ويل لمن جحد هذا اليوم بعدما سمعه ثم قال عز وجل: {هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} يعني: لا يتكلمون وهذا في بعض أحوال يوم القيامة ومواضعها {وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} يعني: لا يؤذن لهم في الكلام يعني: الكفار ليعتذروا {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} يعني: ويل لمن جحد يوم القيامة وهو يقدر على الكلام في هذا اليوم يعني: كان في الدنيا يقدر على المعذرة فتركها ثم قال عز وجل: {هذا يَوْمُ الفصل} يعني: يوم القضاء ويقال: يوم الفصل يعني: بين أهل الجنة وبين أهل النار {جمعناكم والاولين} يعني: جمعناكم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم مع من مضى قبلكم {فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} يعني: إن كان لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} يعني: ويل لمن أنكر قدرة الله والبعث والجمع يوم القيامة ثم قال عز وجل: {إِنَّ المتقين في ظلال وَعُيُونٍ} يعني: إن الذين يتقون الشرك والفواحش.
قال الكلبي: في ظلال الأشجار.
وقال مقاتل: يعني: في الجنان والقصور يعني: قصور الجنة وعيون يعني: أنهار جارية {وفواكه} يعني: وألوان الفواكه {مّمَّا يَشْتَهُونَ} يعني: يتمنون ويقال لهم: {كُلُواْ} يعني: من الطعام {واشربوا} من الشراب {هَنِيئَاً} يعني: سائغاً مريئاً لا يؤذيهم {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يعني: ثواباً لكم بما عملتم في الدنيا {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} يعني: هكذا يثبت الله الموحدين المحسنين المؤمنين في أعمالهم وأفعالهم {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} يعني: ويل لمن أنكر هذا الثواب ثم قال للمجرمين عز وجل: {كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً} يعني: كلوا في الدنيا كما تأكل البهائم وعيشوا مدة قليلة إلى منتهى آجالكم {إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} يعني: مشركين، وهذا وعيد وتهديد {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} يعني: لمن رضي بالدنيا ولا يقر بالبعث ثم قال عز وجل: {وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا لاَ يَرْكَعُونَ} يعني: اخضعوا لله تعالى بالتوحيد لا يخضعون، ويقال: وإذا قيل لهم صلوا وأقروا بالصلاة لا يركعون يعني: لا يقرون بها ولا يصلون.
يعني: ويل طويل لمن لا يقر بالصلاة ولا يؤديها وقال مقاتل: نزلت في ثقيف قالوا: أنحني في الصلاة لأنه مذلة علينا ثم قال عز وجل: {فَبِأَيّ حديث بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} يعني: إن لم يصدقوا به فبأي كلام يصدقون يعني: إن لم يصدقوا بالقرآن ولم يقروا به فبأي حديث يصدقون يعني: هذا الكلام لا باطل فيه يعني: لا حديث أصدق منه ولا دعوة أبلغ من دعوى النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم بالصواب. اهـ.